الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)} {لَهُمْ دَارُ السلام} أي السلامه وهي الجنة {عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)} {وَ} اذكر {يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} بالنون، والياء: أي الله الخلق {جَمِيعاً}، ويقال لهم {يامعشر الجن قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس} بإغوائكم {وَقَالَ} لهم {أَوْلِيَاؤُهُمُ} الذين أطاعوهم {مِّنَ الإنس رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} انتفع الإِنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجنّ بطاعة الإِنس لهم {وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الذى أَجَّلْتَ لَنَا} وهو يوم القيامة، وهذا تحسُّرٌ منهم {قَالَ} تعالى لهم على لسان الملائكة: {النار مَثْوَاكُمْ} مأواكم {خالدين فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ الله} من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها، كما قال تعالى {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} [68: 37] وعن ابن عباس: أنه فيمن علم الله أنهم يؤمنون، ف«ما» بمعنى «من» {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} في صنعه {عَلِيمٌ} بخلقه.
{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)} {وكذلك} كما متعنا عصاة الإِنس والجنّ بعضهم ببعض {نُوَلِّى} من الولاية {بَعْضَ الظالمين بَعْضاً} أي على بعض {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من المعاصي.
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} {يامعشر الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ} أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإِنس أو رسل الجنّ، نذرهم الذين يسمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءاياتي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذا قَالُواْ شَهِدْنَا على أَنْفُسِنَا} أن قد بلغنا. قال تعالى: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} فلم يؤمنوا {وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كافرين}.
{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)} {ذلك} أي إرسال الرسل {أن} اللام مقدّرة وهي مخففة: أي لأنه {لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ} منها {وَأَهْلُهَا غافلون} لم يرسل إليهم رسول يبيِّن لهم.
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)} {وَلِكُلٍّ} من العاملين {درجات} جزاء {مِّمَّا عَمِلُواْ} من خير وشر {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا يَعْمَلُونَ} بالياء والتاء.
{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)} {وَرَبُّكَ الغنى} عن خلقه وعبادتهم {ذُو الرحمة إِن يَشآ يُذْهِبْكُمْ} يا أهل مكة بالإِهلاك {وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ} من الخلق {كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ} أذهبهم، ولكنه أبقاكم رحمة لكم.
{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)} {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الساعة والعذاب {لأَتٍ} لا محالة {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} فائتين عذابنا.
{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)} {قُلْ} لهم {ياقوماعملوا على مَكَانَتِكُمْ} حالتكم {إِنِّى عامل} على حالتي {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن} موصولة مفعول العلم {تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار} أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم؟ {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} يسعد {الظالمون} الكافرون.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)} {وَجَعَلُواْ} أي كفار مكة {لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ} خلق {مِنَ الحرث} الزرع {والأنعام نَصِيباً} يصرفونه إلى الضيفان والمساكين ولشركائهم نصيباً يصرفونه إلى سدنتها {فَقَالُواْ هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} بالفتح والضم {وهذا لِشُرَكَائِنَا} فكانوا إذا سقط في نصيب الله شيء من نصيبها التقطوه، أو في نصيبها شيء من نصيبه تركوه وقالوا: إنّ الله غنيّ عن هذا، كما قال تعالى {فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى الله} أي لجهته {وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ} بئس {مَا يَحْكُمُونَ} حكمهم هذا.
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)} {وكذلك} كما زين لهم ما ذكر {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أولادهم} بالوأد {شُرَكَاؤُهُمْ} من الجنّ. بالرفع فاعل (زَيَّن)، وفي قراءة ببنائه للمفعول ورفع «قتل» ونصب الأولاد به وجر شركائهم بإضافته، وفيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، ولا يضرّ، وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم به {لِيُرْدُوهُمْ} يهلكوهم {وَلِيَلْبِسُواْ} يَخْلطوا {عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ الله مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}.
{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)} {وَقَالُواْ هذه أنعام وَحَرْثٌ حِجْرٌ} حرام {لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نَّشَاءُ} من خَدَمَة الأوثان وغيرهم {بِزَعْمِهِمْ} أي لا حجة لهم فيه {وأنعام حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} فلا تركب كالسوائب والحوامي {وأنعام لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا} عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم ونسبوا ذلك إلى الله {افتراء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} عليه.
{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)} {وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هذه الأنعام} المحرّمة وهي السوائب والبحائر {خَالِصَةٌ} حلالٌ {لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا} أي النساء {وإِنْ يَكُنْ مَيْتَةٌ} بالرفع والنصب مع تأنيث الفعل وتذكيره {فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ} الله {وَصْفَهُمْ} ذلك بالتحليل والتحريم أي جزاءه {إِنَّهُ حَكِيمٌ} في صنعه {عَلِيمٌ} بخلقه.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)} {قَدْ خَسِرَ الذين قَتَلُواْ} بالتخفيف والتشديد {أَوْلاَدَهُمْ} بالوأد {سَفَهاً} جهلاً {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله} مما ذكر {افتراء عَلَى الله قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}.
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)} {وَهُوَ الذى أَنشَأَ} خلق {جنات} بساتين {معروشات} مبسوطات على الأرض كالبطيخ {وَغَيْرَ معروشات} بأن ارتفعت على ساق كالنخل {وَ} أنشأ {النخل والزرع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} ثمره وحبه في الهيئة والطعم {والزيتون والرمان متشابها} ورقهما حال {وَغَيْرَ متشابه} طعمهما {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} قبل النضج {وَءَاتُواْ حَقَّهُ} زكاته {يَوْمَ حَصَادِهِ} بالفتح والكسر، من العشر أو نصفه {وَلاَ تُسْرِفُواْ} بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} المتجاوزين مَا حُدَّ لهم.
{وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)} {وَ} أنشأ {مِّنَ الانعام حَمُولَةً} صالحة للحمل عليها كالإِبل الكبار {وَفَرْشًا} لا تصلح له كالإِبل الصغار والغنم، سميت (فرشاً) لأنها كالفرش للأرض لدنوّها منها {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} طرائقه في التحريم والتحليل {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} بيِّن العداوة.
{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143)} {ثمانية أزواج} أصناف بدل من (حمولة وفرشاً) {مِّنَ الضأن} زوجين {اثنين} ذكر وأنثى {وَمِنَ المعز} بالفتح والسكون {اثنين قُلْ} يا محمد لمَن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب ذلك إلى اللّهِ {آلذَّكَريْن} من الضأن والمعز {حَرَّمَ} اللّهُ عليكم {أَمِ الانثيين} منهما {أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الانثيين} ذكراً كان أو أنثى {نَبّئُونِي بِعِلْمٍ} عن كيفية تحريم ذلك {إِن كُنتُمْ صادقين} فيه، المعنى: من أين جاء التحريم؟ فإن كان من قبل الذكورة فجميع الذكور حرام، أو الأنوثة فجميع الإِناث، أو اشتمال الرحم فالزوجان، فمن أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار.
{وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} {وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين أَمَّا اشتملت عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنثيين أَمْ} بل أ {كُنتُمْ شُهَدَآءَ} حضوراً {إِذْ وصاكم الله بهذا} التحريم فاعتمدتم ذلك، لا بل أنتم كاذبون فيه {فَمَنْ} أي لا أحد {أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بذلك {لِيُضِلَّ الناس بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}.
{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} {قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَىَّ} شيئاً {مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلآ أَن يَكُونَ} بالياء والتاء {مَيْتَةً} بالنصب وفي قراءة بالرفع مع التحتانية {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} سائلاً، بخلاف غيره كالكبد والطحال {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} حرام {أَوْ} أي إلا أن يكون {فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} أي ذبح على اسم غيره {فَمَنِ اضطر} إلى شيء مما ذكر فأكله {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ} له ما أكل {رَّحِيمٌ} به، ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير.
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)} {وَعَلَى الذين هَادُواْ} أي اليهود {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ} وهو ما لم تفرّق أصابعه كالإبل والنعام {وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الثروب وشحم الكلى {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} أي ما علق بها منه {أَوْ} حملته {الحوايا} الأمعاء. جمع (حاوياء) أو (حاوية) {أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ} منه وهو شحم الأليَة فإنه أحل لهم {ذلك} التحريم {جزيناهم} به {بِبَغْيِهِمْ} بسبب ظلمهم بما سبق في سورة (النساء) [155: 4- 160] {وِإِنَّا لصادقون} في أخبارنا ومواعيدنا.
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)} {فَإِن كَذَّبُوكَ} فيما جئت به {فَقُلْ} لهم {رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسعة} حيث لم يعاجلكم بالعقوبة، وفيه تلطف بدعائهم إلى الإِيمان {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ} عذابه إذا جاء {عَنِ القوم المجرمين}.
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)} {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكْنَا} نحن {وَلاَ ءَابَآؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَئ} فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته، فهو راض به. قال تعالى {كذلك} كما كذب هؤلاء {كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} رسلهم {حتى ذَاقُواْ بَأْسَنَا} عذابنا {قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ} بأن الله راض بذلك {فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} أي لا علم عندكم {إن} ما {تَتَّبِعُونَ} في ذلك {إِلاَّ الظن وَإِن} ما {أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} تكذبون فيه.
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)} {قُلْ} إن لم تكن لكم حجة {فَلِلَّهِ الحجة البالغة} التامة {فَلَوْ شَاءَ} هدايتكم {لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.
{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)} {قُلْ هَلُمَّ} أحضروا {شُهَدَاءَكُمُ الذين يَشْهَدُونَ أَنَّ الله حَرَّمَ هذا} الذي حرّمتموه {فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا والذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة وَهُم بِرَبِهِمْ يَعْدِلُونَ} يشركون.
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ} اقرأ {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أ} ن مفسرة {لا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً و} أحسنوا {وبالوالدين إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم} بالوأد {مِنْ} أجل {إملاق} فقر تخافونه {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش} الكبائر كالزنى {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} أي علانيتها وسرّها {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} كالقَوَدِ وحدّ الردّة ورجم المحصن {ذلكم} المذكور {وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} تتدبرون.
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)} {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى} أي بالخصلة التي {هِىَ أَحْسَنُ} وهي ما فيه صلاحه {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} بأن يحتلم {وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط} بالعدل وترك البخس {لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} طاقتها في ذلك، فإن أخطأ في الكيل والوزن والله يعلم صحة نيته- فلا مؤاخدة عليه، كما ورد في حديث {وَإِذَا قُلْتُمْ} في حكم أو غيره {فاعدلوا} بالصدق {وَلَوْ كَانَ} المقول له أو عليه {ذَا قربى} قرابة {وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ذلكم وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} بالتشديد والتخفيف تتعظون.
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} {وَأَنَّ} بالفتح على تقدير اللام، والكسر استئنافاً {هذا} الذي وصيتكم به {صراطي مُسْتَقِيمًا} حال {فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} الطرق المخالفة له {فَتَفَرَّقَ} فيه حذف إحدى التاءين: تميل {بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} دينه {ذلكم وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)} {ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكتاب} التوراة و(ثم) لترتيب الأخبار {تَمَامًا} للنعمة {عَلَى الذى أَحْسَنَ} بالقيام به {وَتَفْصِيلاً} بيان {لّكُلِّ شَئ} يحتاج إليه في الدين {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم} أي بني إسرائيل {بِلَقَاءِ رَبِّهِمْ} بالبعث {يُؤْمِنُونَ}.
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)} {وهذا} القرآن {كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ فاتبعوه} يا أهل مكة بالعمل بما فيه {واتقوا} الكفر {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)} أنزلناه ل {أن} لا {تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب على طَائِفَتَيْنِ} اليهود والنصارى {مِن قَبْلِنَا وَإِن} مخففة واسمها محذوف أي إنا {كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ} قراءتهم {لغافلين} لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا.
{أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)} {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ} لجودة أذهاننا {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ} بيان {مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} لمن اتبعه {فَمَنْ} أي لا أحد {أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بئايات الله وَصَدَفَ} أعرض {عَنْهَا سَنَجْزِى الذين يَصْدِفُونَ عَنْ ءاياتنا سُوءَ العذاب} أي أشدّه {بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ}.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)} {هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظر المكذبون {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ} بالتاء والياء {الملائكة} لقبض أرواحهم {أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ} أي أمره بمعنى عذابه {أو يَأتِيَ بَعْضُ ءايات رَبِّكَ} أي علاماته الدالة على الساعة {يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايات رَبِّكَ} وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} ما {لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ} الجملة صفة النفس {أَوْ} نفساً لم تكن {كَسَبَتْ فِى إيمانها خَيْرًا} طاعة أي لا تنفعها توبتها كما في الحديث {قُلِ انتظروا} أحد هذه الأشياء {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ذلك.
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} {إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه {وَكَانُواْ شِيَعاً} فرقاً في ذلك. وفي قراءة «فارقوا» أي تركوا دينهم الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَئ} أي فلا تتعرّض لهم {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله} يتولاه {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} في الآخرة {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} فيجازيهم به، وهذا منسوخ بآية السيف [5: 9].
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} {مَن جَاءَ بالحسنة} أي لا إله إلا الله {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أي جزاء عشر حسنات {وَمَن جَاءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} أي جزاؤه {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ينقصون من جزائهم شيئاً.
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} {قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبّى إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} ويبدل من محله {دِينًا قِيَمًا} مستقيما {مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين}.
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)} {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى} عبادتي من حجّ وغيره {وَمَحْيَاىَ} حياتي {وَمَمَاتِى} موتي {لِلَّهِ رَبِّ العالمين}.
{لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} {لاَ شَرِيكَ لَهُ} في ذلك {وبذلك} أي التوحيد {أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين} من هذه الأمة.
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} {قُلْ أَغَيْرَ الله أَبْغِى رَبّاً} إلها: أي لا أطلب غيره {وَهُوَ رَبُّ} مالك {كُلِّ شَئ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} ذنباً {إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ} تحمل نفس {وازرة} آثمة {وِزْرَ} نفس {أخرى ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)} {وَهُوَ الذى جَعَلَكُمْ خلائف الأرض} جمع خليفة: أي يخلف بعضكم بعضاً فيها {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات} بالمال والجاه وغير ذلك {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم {فِي مَآ ءاتاكم} أعطاكم إياه ليظهر المطيع منكم والعاصي {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب} لمن عصاه {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ} للمؤمنين {رَّحِيمٌ} بهم.
{المص (1)} {المص} الله أعلم بمراده بذلك.
{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)} هذا {كتاب أُنزِلَ إِلَيْكَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم {فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ} ضِيق {مِنْهُ} أن تبلغه مخافة أن تكذَّب {لّتُنذِرَ} متعلق ب (أُنزل): أي للإِنذار {بِهِ وذكرى} تذكرة {لِلْمُؤْمِنِينَ} به.
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} قل لهم {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبِّكُمْ} أي القرآن {وَلاَ تَتَّبِعُواْ} تتخذوا {مِن دُونِهِ} أي الله: أي غيره {أَوْلِيَآءَ} تطيعونهم في معصيته تعالى {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} بالتاء والياء، تتعظون، وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي قراءة بسكونها، و«ما» زائدة لتأكيد القلة.
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)} {وَكَمْ} خبرية مفعول {مِّن قَرْيَةٍ} أُرِيد أهلها {أهلكناها} أردنا إهلاكها {فَجَآءَهَا بَأْسُنَا} عذابنا {باياتا} ليلاً {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} نائمون بالظهيرة، و(القيلولة): استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم، أي مرّة جاءها ليلاً، ومرَّة نهاراً.
{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)} {فَمَا كَانَ دعواهم} قولهم {إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين}.
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} {فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم {وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين} عن الإِبلاغ.
{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} لنخبرنهم عن علم بما فعلوه {وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ} عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا.
{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)} {والوزن} للأعمال أو لصحائفها بميزان له لسان وكفتان كما ورد في حديث كائنٌ {يَوْمَئِذٍ} أي يوم السؤال المذكور وهو يوم القيامة {الحق} العدل: صفة (الوزن) {فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} بالحسنات {فأولئك هُمُ المفلحون} الفائزون.
{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} {وَمَنْ خَفَّتْ موازينه} بالسيئات {فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} بتصييرها إلى النار {بِمَا كَانُواْ بئاياتنا يَظْلِمُونَ} يجحدون.
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)} {وَلَقَدْ مكناكم} يا بني آدم {فِى الأرض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} بالياء: أسباباً تعيشون بها، (جمع معيشة) {قَلِيلاً مَّا} لتأكيد القلة {تَشْكُرُونَ} على ذلك.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)} {وَلَقَدْ خلقناكم} أي أباكم آدم {ثُمَّ صورناكم} أي صوّرناه وأنتم في ظهره {ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ} سجود تحية بالانحناء {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} أبا الجنّ كان بين الملائكة {لَمْ يَكُن مِّنَ الساجدين}.
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} {قَالَ} تعالى {مَا مَنَعَكَ أَ} ن {لاَ} زائدة {تَسْجُدَ إِذْ} حين {أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)} {قَالَ فاهبط مِّنْهَا} أي من الجنة، وقيل من السموات {فَمَا يَكُونُ} ينبغي {لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فاخرج} منها {إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} الذليلين.
{قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)} {قَالَ أَنظِرْنِى} أخِّرني {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي الناس.
{قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)} {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المنظرين} وفي آية أخرى {إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} [38: 15] أي وقت النفخة الأولى.
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)} {قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى} أي بإغوائك لي، والباء للقسم وجوابه {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} أي لبني آدم {صراطك المستقيم} أي على الطريق الموصل إليك.
{ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} {ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه. قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} مؤمنين.
{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} {قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُومًا} بالهمز: معيباً أو ممقوتاً {مَّدْحُورًا} مُبْعَداً عن الرحمة {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} من الناس، واللام للابتداء أو موطئة للقسم، وهو {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} أي منك بذرّيتك ومن الناس، وفيه تغليب الحاضر على الغائب، وفي الجملة معنى جزاء «مَنْ» الشرطية: أي من تبعك أعذبه.
{وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)} {وَ} قال {ويائادم اسكن أَنتَ} تأكيد للضمير في «اسكن» ليعطف عليه {وَزَوْجُكَ} (حوّاء) بالمد {الجنة فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} بالأكل منها وهي الحنطة {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين}.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)} {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} إبليس {لِيُبْدِىَ} يظهر {لَهُمَا مَا وُورِيَ} (فُوعِلَ): من المواراة {عَنْهُمَا مِنَ سوءاتهما وَقَالَ مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلآ} كراهة {أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} وقرئ بكسر اللام {أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} أي وذلك لازم عن الأكل منها كما في آية أخرى {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [120: 20]
{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)} {وَقَاسَمَهُمَآ} أي أقسم لهما بالله {إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} في ذلك.
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)} {فدلاهما} حَطَّهما عن منزلتهما {بِغُرُورٍ} منه {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة} أي أكلا منها {بَدَتْ لَهُمَا سوءاتهما} أي ظهر لكلّ منهما قُبُلهُ وقُبُلُ الآخَرِ ودُبُرُه، وسمي كل منهما (سوأة) لأن انكشافه يسوء صاحبه {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أخذا يلزقان {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} ليستترا به {وناداهما رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} بيّن العداوة؟ والاستفهام للتقرير.
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} بمعصيتنا {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين}.
{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)} {قَالَ اهبطوا} أي آدم وحوّاء بما اشتملتما عليه من ذرّيتكما {بَعْضُكُمْ} بعض الذرّية {لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} من ظلم بعضهم بعضاً {وَلَكُمْ فِى الأرض مُسْتَقَرٌّ} مكان استقرار {ومتاع} تمتع {إلى حِينٍ} تنقضي فيه آجالكم.
{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)} {قَالَ فِيهَا} أي الأرض {تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} بالبعث، بالبناء للفاعل والمفعول.
{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} {يابنى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} أي خلقناه لكم {يوارى} يستر {سوءاتكم وَرِيشًا} وهو ما يتجمل به من الثياب {وَلِبَاسُ التقوى} العمل الصالح والسمت الحسن، بالنصب عطف على «لباساً» والرفع مبتدأ خبره: جملة {ذلك خَيْرٌ ذلك مِنْ ءايات الله} دلائل قدرته {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيؤمنون، فيه التفات عن الخطاب.
{يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)} {يابنى ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ} لا يضلنَّكم {الشيطان} أي لا تتبعوه فتفتنوا {كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم} بفتنته {مّنَ الجنة يَنزِعُ} حال {عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سوءاتهمآ إِنَّهُ} أي الشيطان {يراكم هُوَ وَقَبِيلُهُ} جنوده {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ} أعواناً وقرناء {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)} {وَإِذَا فَعَلُواْ فاحشة} كالشرك وطوافهم بالبيت عراة قائلين: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فنهوا عنها {قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا} فافتدينا بهم {والله أَمَرَنَا بِهَا} أيضاً {قُلْ} لهم {إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أنه قاله؟ استفهام إنكار.
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)} {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط} العدل {وَأَقِيمُواْ} معطوف على معنى «بالقسط» أي قال: أقسطوا وأقيموا، أو قبله فأقسطوا مقدّراً {وُجُوهَكُمْ} لله {عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي أخلصوا له سجودكم {وادعوه} اعبدوه، {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من الشرك {كَمَا بَدَأَكُمْ} خلقكم ولم تكونوا شيئاً {تَعُودُونَ} أي يعيدكم أحياء يوم القيامة.
{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)} {فَرِيقاً} منكم {هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الله} أي غيره {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}.
{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} {يابنى ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ} ما يستر عورتكم {عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} عند الصلاة والطواف {وَكُلُواْ واشربوا} ما شئتم {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين}.
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} {قُلْ} إنكاراً عليهم {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} من اللباس {والطيبات} المستلذّات {مِنَ الرزق قُلْ هِيَ لِلَّذِيْنَ ءَامَنُواْ فِي لحياة الدنيا} بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم {خَالِصَةً} خاصة بهم. بالرفع والنصب، حال {يَوْمَ القيامة كذلك نُفَصِلُ الأيات} نبيّنها مثل ذلك التفصيل {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يتدّبرون فإنهم المنتفعون بها.
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} الكبائر كالزنا {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} أي جهرها وسرّها {والإثم} المعصية {والبغى} على الناس {بِغَيْرِ الحق} هو الظلم {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ} بإشراكه {سلطانا} حجة {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من تحريم ما لم يحرّم وغيره.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مدّة {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} عنه {سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} عليه.
{يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)} {يابنى ءَادَمَ إِمَّا} فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة {يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءايات فَمَنِ اتقى} الشرك {وَأَصْلَحَ} عمله {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} في الآخرة.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)} {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا واستكبروا} تكبروا {عَنْهَا} فلم يؤمنوا بها {أولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون}.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)} {فَمَنْ} أي لا أحد {أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بنسبة الشريك والولد إليه {أَوْ كَذَّبَ بئاياته} القرآن {أولئك يَنَالُهُمْ} يصيبهم {نَصِيبُهُمْ} حظهم {مِّنَ الكتاب} مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك {حتى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا} أي الملائكة {يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ} لهم تبكيتاً {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ} تعبدون {مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ} غابوا {عَنَّا} فلم نرَهم {وَشَهِدُواْ على أَنفُسِهِمْ} عند الموت {أَنَّهُمْ كَانُواْ كافرين}.
{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)} {قَالَ} تعالى يوم القيامة {ادخلوا فِي} جملة {أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مّن الجن والإنس فِى النار} متعلق ب «ادخُلُوا» {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ} النار {لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} التي قبلها لضلالها بها {حتى إِذَا اداركوا} تلاحقوا {فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أخراهم} وهم الأتباع {لأولاهم} أي لأجلاّئهم وهم المتبوعين {رَبَّنَا هؤلاءآء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا} مضعفا {مِّنَ النار قَالَ} تعالى {لِكُلِّ} منكم ومنهم {ضِعْفٌ} عذاب مضعَّف {ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ} بالياء والتاء ما لكل فريق.
{وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)} {وَقَالَتْ أولاهم لأخراهم فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} لأنكم لم تكفروا بسببنا فنحن وأنتم سواء، قال تعالى لهم {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}.
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)} {إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا واستكبروا} تكبَّروا {عَنْهَا} فلم يؤمنوا بها {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السمآء} إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى (سجّين)، بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة كما ورد في حديث {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ ُ} يدخل {الجمل فِى سَمّ الخياط} ثقب الإِبرة وهو غير ممكن، فكذا دخولهم {وكذلك} الجزاء {نَجْزِى المجرمين} بالكفر.
{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)} {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} فراش {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أغطية من النار: جمع (غاشية)، وتنوينه عِوَض من الياء {وكذلك نَجْزِى الظالمين}.
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)} {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} مبتدأ، وقوله {لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره، وهو {أولئك أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون}.
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلٍّ} حِقْدٍ كان بينهم في الدنيا {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ} تحت قصورهم {الأنهار وَقَالُواْ} عند الاستقرار في منازلهم {الحمد لِلَّهِ الذى هَدَانَا لهذا} العمل الذي هذا جزاؤه {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآ أَنْ هدانا الله} حذف جواب «لولا» لدلالة ما قبله عليه {لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق وَنُودُواْ أَن} مخففة: أي إنه أو مفسرة في المواضع الخمسة {تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)} {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار} تقريراً أوتبكيتاً {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا} من الثواب {حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ} كم {رَبُّكُمْ} من العذاب {حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} نادى منادٍ {بَيْنَهُمْ} بين الفريقين أسمعهم {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين}.
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)} {الذين يَصُدُّونَ} الناس {عَن سَبِيلِ الله} دينه {وَيَبْغُونَهَا} أي يطلبون السبيل {عِوَجَاً} معوجة {وَهُم بالأخرة كافرون}.
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)} {وَبَيْنَهُمَا} أي أصحاب الجنة والنار {حِجَابٌ} حاجز، قيل هو سور الأعراف {وَعَلَى الأعراف} وهو سور الجنة {رِجَالٌ} استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث {يَعْرِفُونَ كُلاًّ} من أهل الجنة والنار {بسيماهم} بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم، إذ موضعهم عال {وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة أَن سلام عَلَيْكُمْ} قال تعالى {لَمْ يَدْخُلُوهَا} أي أصحابُ الأعراف الجنة {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} في دخولها، قال الحسن: لم يطمعهم إلا لكرامةٍ يريدها بهم. وروى الحاكم عن حذيفة قال: (بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال: قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم).
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)} {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم} أي أصحاب الأعراف {تِلْقَآءَ} جهة {أصحاب النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا} في النار {مَعَ القوم الظالمين}.
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)} {ونادى أصحاب الأعراف رِجَالاً} من أصحاب النار {يَعْرِفُونَهُمْ بسيماهم قَالُواْ مَا أغنى عَنكُمْ} من النار {جَمْعُكُمْ} المال أو كثرتكم {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي واستكباركم عن الإِيمان، ويقولون لهم مشيرين إلى ضعفاء المسلمين:
{أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)} {أهؤلاءآء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} قد قيل لهم {ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} وقرئ «أُدْخِلوا» بالبناء للمفعول، و«دَخَلُوا» فجملة النفي حال أي مقولاً لهم ذلك.
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)} {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من الطعام {قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} منعهما {عَلَى الكافرين}.
{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)} {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم ننساهم} نتركهم في النار {كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذا} بتركهم العمل له {وَمَا كَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} أي وكما جحدوا.
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)} {وَلَقَدْ جئناهم} أي أهل مكة {بكتاب} قرآن {فصلناه} بيَّنّاه بالأخبار والوعد والوعيد {على عِلْمٍ} حال: أي عالمين بما فصِّل فيه {هُدًى} حال من (الهاء) {وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} به.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)} {هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظرون {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} عاقبة ما فيه {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} هو يوم القيامة {يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ} تركوا الإِيمان به: {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ} هل {نُرَدُّ} إلى الدنيا {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ} نوحِّد الله ونترك الشرك؟ فيقال لهم: لا. قال تعالى {قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} إذ صاروا إلى الهلاك {وَضَلَّ} ذهب {عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من دعوى الشريك.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أيام الدنيا، أي في قدرها لأنه لم يكن ثَمَّ شمس، ولو شاء خلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} هو في اللغة: سرير المَلِك، استواء يليق به {يُغْشِى اليل النهار} مخففاً ومشدداً: أي يغطي كلاًّ منهما الآخر {يَطْلُبُهُ} يطلب كل منهما الآخر طلباً {حَثِيثًا} سريعاً {والشمس والقمر والنجوم} بالنصب عطفاً على (السموات)، والرفعِ مبتدأ خبره {مسخرات} مذلَّلات {بِأَمْرِهِ} بقدرته {أَلاَ لَهُ الخلق} جميعاً {والأمر} كله {تَبَارَكَ} تعاظم {الله رَبُّ} مالك {العالمين}.
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا} حال تذللاً {وَخُفْيَةً} سرًّا {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} في الدعاء بالتشدّق ورفع الصوت.
{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرض} بالشرك والمعاصي {بَعْدَ إصلاحها} ببعث الرسل {وادعوه خَوْفًا} من عقابه {وَطَمَعًا} في رحمته {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} المطيعين، وتذكير «قريب» المُخْبَرِ به عن «رحمة» لإِضافتها إلى الله.
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} {وَهُوَ الذى يُرْسِلُ الرياح بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} أي متفرّقة قدّام المطر، وفي قراءة بسكون الشين تخفيفاً. وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدراً، وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون: أي بُشراً، ومفرد الأولى: (نَشُور) (كرسول)، والآخرة (بَشير) {حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ} حملت الرياح {سَحَابًا ثِقَالاً} بالمطر {سقناه} أي السحاب، وفيه التفات عن الغيبة {لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} لا نبات به: أي لإِحيائها {فَأَنزَلْنَا بِهِ} بالبلد {المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالماء {مِن كُلّ الثمرات كذلك} الإِخراج {نُخْرِجُ الموتى} من قبورهم بالإِحياء {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فتؤمنون.
{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)} {والبلد الطيب} العذب التراب {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} حسناً {بِإِذْنِ رَبِّهِ} هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها {والذى خَبُثَ} ترابه {لاَ يَخْرُجُ} نباته {إِلاَّ نَكِدًا} عسراً بمشقة، وهذا مَثَل للكافر {كذلك} كما بيَّنا ما ذكر {نُصَرِّفُ} نبيِّن {الأيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} الله فيؤمنون.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)} {لَقَدْ} جواب قسم محذوف {أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُم مِّنْ إله غَيْرُهُ} بالجرّ صفة ل (إله)، والرفع بدل من محله {إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إن عبدتم غيره {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يوم القيامة.
{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)} {قَالَ الملأ} الأشراف {مِن قَوْمِهِ إِنَّا لنراك فِي ضلال مُّبِينٍ} بيِّن.
{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)} {قَالَ ياقوم * لَيْسَ بِى ضلالة} هي أعم من (الضلال)، فنفيها أبلغ من نفيه {ولكني رَسُولٌ مِن رَّبِّ العالمين}.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)} {أُبَلِّغُكُمْ} بالتخفيف والتشديد {رسالات رَبِّى وَأَنصَحُ} أريد الخير {لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)} {أَ} كذبتم {عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ} موعظة {مّن رَّبِّكُمْ على} لسان {رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} العذاب إن لم تؤمنوا {وَلِتَتَّقُواْ} الله {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بها؟!.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)} {فَكَذَّبُوهُ فأنجيناه والذين مَعَهُ} من الغرق {فِى الفلك} السفينة {وأغرقنالذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} بالطوفان {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} عن الحق.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)} {وَ} أرسلنا {إلى عَادٍ} الأولى {أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ ياقوم اعبدوا الله} وحِّدوه {مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} تخافونه فتؤمنون.
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)} {قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لنراك فِي سَفَاهَةٍ} جهالة {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} في رسالتك.
{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)} {قَالَ ياقوم لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ ولكنى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين}.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)} {أُبَلِّغُكُمْ رسالات رَبِّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} مأمون على الرسالة.
{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)} {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبِّكُمْ على} لسان {رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ} في الأرض {مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى الخلق بَصْطَةً} قوّة وطولاً، وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين {فاذكروا ءَالآءَ الله} نِعَمَه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تفوزون.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)} {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ} نترك {مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَآبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} به من العذاب {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في قولك.
{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)} {قَالَ قَدْ وَقَعَ} وجب {عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ} عذاب {وَغَضَبٌ أتجادلونني فِى أَسْمآءٍ سَمَّيْتُمُوهآ} أي سميتم بها {أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ} أصناماً تعبدونها {مَّا نَزَّلَ الله بِهَا} أي بعبادتها {مِّن سلطان} حجة وبرهان {فانتظروا} العذاب {إِنِّى مَعَكُم مِّنَ المنتظرين} ذلكم بتكذيبكم لي فأُرسلت عليهم الريح العقيم.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)} {فأنجيناه} أي هوداً {والذين مَعَهُ} من المؤمنين {بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ} القوم {الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} أي استأصلناهم {وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} عطف على (كذبوا).
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} {وَ} أرسلنا {أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ} بترك الصرف مراداً به القبيلة {أَخَاهُمْ صالحا قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُم مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيّنَةٌ} معجزة {مِّن رَّبِّكُمْ} على صدقي {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءَايَةً} حال عاملها معنى الإِشارة، وكانوا سألوه أن يخرجها لهم من صخرة عيّنوها {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} بعقر أو ضرب {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)} {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفآءَ} في الأرض {مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ} أسكنكم {فِى الأرض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} تسكنونها في الصيف {وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتًا} تسكنونها في الشتاء، ونصبه على الحال المقدّرة {فاذكروا ءَالآءَ * الله وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ}.
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)} {قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} تكبّروا عن الإِيمان به {لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ} أي من قومه بدل مما قبله بإعادة الجار {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبّهِ} إليكم؟ {قَالُواْ} نعم {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}.
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)} {قَالَ الذين استكبروا إِنَّا بالذى ءَامَنتُمْ بِهِ كافرون}.
{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} وكانت الناقة لها يوم في الماء ولهم يوم، فملُّوا ذلك {فَعَقَرُواْ الناقة} عقرها قُدار بأمرهم بأن قتلها بالسيف {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ ياصالح *ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ} به من العذاب على قتلها {إِن كُنتَ مِنَ المرسلين}.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} باركين على الركب مَيِّتين.
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)} {فتولى} أعرَضَ صالح {عَنْهُمْ وَقَالَ ياقوم * لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ ولكن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين}.
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)} {وَ} اذكر {لُوطاً} ويبدل منه {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي أدبار الرجال {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} الإِنس والجنّ.
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} {إِنَّكُمْ} وفي قراءة {أَئِنَّكُمْ} بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال الألف بينهما على الوجهين {لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النساء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} متجاوزون الحلال إلى الحرام.
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)} {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلآ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم} أي لوطاً وأتباعه {مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} من أدبار الرجال.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)} {فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} الباقين في العذاب.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)} {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} هو حجارة السجيل فأهلكتهم {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين}.
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)} {وَ} أرسلنا {إلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُم مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جآءَتْكُم بَيِّنَةٌ} معجزة {مِّن رَّبِّكُمْ} على صدقي {فَأَوْفُواْ} أتموا {الكيل والميزان وَلاَ تَبْخَسُواْ} تنقصوا {الناس أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرض} بالكفر والمعاصي {بَعْدَ إصلاحها} ببعث الرسل {ذلكم} المذكور {خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} مريدي الإِيمان فبادروا إليه.
{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)} {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صراط} طريق {تُوعِدُونَ} تخوّفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم {وَتَصُدُّونَ} تصرفون {عَن سَبِيلِ الله} دينه {مَنْ ءَامَنَ بِهِ} بتوعدكم إياه بالقتل {وَتَبْغُونَهَا} تطلبون الطريق {عِوَجَاً} معوَّجة {واذكروا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} قبلكم بتكذيبهم رسلهم: أي آخر أمرهم من الهلاك.
{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)} {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ ءَامَنُواْ بالذى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ} به {فاصبروا} انتظروا {حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} أعدلهم.
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)} {قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} عن الإِيمان {لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ} ترجعنّ {فِى مِلَّتِنَا} ديننا وغلبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط، وعلى نحوه أجاب {قَالَ أَ} نعود فيها {وَلَوْ كُنَّا كارهين} لها؟ استفهام إنكار.
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا وَمَا يَكُونُ} ينبغي {لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلآ أَن يَشَاءَ الله رَبُّنَا} ذلك فيخذلنا {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أي وسع علمه كل شيء، ومنه حالي وحالكم {عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افتح} احكم {بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} الحاكمين.
{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)} {وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} أي قال بعضهم لبعض {لَئِنْ} لام قسم {اتبعتم شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون}.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)} {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة الشديدة {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} باركين على الركب ميتِّين.
{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)} {الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا} مبتدأ خبره {كَأَنَ} مخففة واسمها محذوف: أي كأنهم {لَّمْ يَغْنَوْاْ} يقيموا {فِيهَا} في ديارهم. {الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الخاسرين} التأكيد بإعادة الموصول وغيره للردّ عليهم في قولهم السابق.
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)} {فتولى} أعرض {عَنْهُمْ وَقَالَ ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رسالات رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ} فلم تؤمنوا {فَكَيْفَ ءاسى} أحزن {على قَوْمٍ كافرين}؟ استفهام بمعنى النفي.
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)} {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّبِىٍّ} فكذبوه {إِلآ أَخَذْنَآ} عاقبنا {أَهْلَهَا بالبأسآء} شدّة الفقر {والضرآء} المرض {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} يتذللون فيؤمنون.
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)} {ثُمَّ بَدَّلْنَا} أعطيناهم {مَكَانَ السيئة} العذاب {الحسنة} الغِنَى والصحة {حتى عَفَواْ} كثروا {وَقَالُواْ} كفراً للنعمة {قَدْ مَسَّ ءَابَاءنَا الضرآء والسرآء} كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه. قال تعالى {فأخذناهم} بالعذاب {بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بوقت مجيئه قبله.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى} المكذبين {ءَامَنُواْ} بالله ورسلهم {واتقوا} الكفر والمعاصي {لَفَتَحْنَا} بالتخفيف والتشديد {عَلَيْهِم بركات مِّنَ السمآء} بالمطر {والأرض} بالنبات {ولكن كَذَّبُواْ} الرسل {فأخذناهم} عاقبناهم {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)} {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} المكذِّبون {أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا} عذابنا {بياتا} ليلاً {وَهُمْ نآئِمُونَ} غافلون عنه.
{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)} {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} نهاراً {وَهُمْ يَلْعَبُونَ}.
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)} {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} استدراجه إياهم بالنعمة وأخذهم بغتة {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون}.
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)} {أَوَلَمْ يَهْدِ} يتبيَّن {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض} بالسكنى {مِن بَعْدِ} هلاك {أَهْلِهآ أَن} فاعل مخففة، واسمها محذوف: أي إنه {لَّوْ نَشَآءُ أصبناهم} بالعذاب {بِذُنُوبِهِمْ} كما أصبنا من قبلهم. والهمزة في المواضع الأربعة للتوبيخ، والفاء والواو الداخلة عليهما للعطف، وفي قراءة بسكون الواو في الموضع الأوّل عطفا «بأو» {وَ} نحن {نَطْبَعُ} نختم {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} الموعظة سماع تدبُّر.
|